dimanche 6 juillet 2008

موريتانيا أرض المنارة والرباط

بلاد شنقيط
هو إقليم من أقاليم الجمهورية الاسلامية الموريتانيةوكلمة شنقيط معناها عيون الخيل وهي في الأصل تطلق على مدينة من مدن أدرار واقعة فوق جبل في جهة غرب الصحراءالكبرى ثم سمي بها القطر كله من باب تسمية الشيء باسم بعضه وهو الإسمالذي اشتهر طوال التاريخ الإسلامي الوسط
واما لفظة - موريتانيا - فهي كلمة لاتينية معناها ارض الرجال السمر وقد عرف هذا القطر بأسماء كثيرة عبر تاريخه الطويل منها بلاد صنهاجة الجنوب وصنهاجة الرمال وصحراء الملثمين و بلاد لمتونة وبلاد تكرور وبلاد شنقيط
وقدر لها ان تقع في قبضة الغستعمار الفرنسي برهة من الزمن وحينما رأت فرنسا أن هذه التسميات السابقة لا تخدم أغراضها الإستعمارية اختارت لها اسم - موريتانيا -إحياء لتسمية قديمة كانت تطلق على مملكة رومانية قديمة في شمال غرب إفريقيا
و المجتمع الشنقيطي بصفة عامة ينتظم بشكل تقليدي في عشائر متوارثة ومتميزة ويغلب عليه الطابع القبلي بكل مظاهره سواء من حيث طبيعة الحياة التي تقوم على التنقل و الترحال طلبا للماء و الكلأ أم من حيث العلاقة بين طبقات المجتمع واصل السكان من حيث الجنس
قبائل من البربر كانت تقطن صحراء المغرب و بعد الفتوحات الغسلامية صاروا قسمين عربا و بربر وقد انصهر القسمان و اختلطت دماؤهما إلى حد يستحيل تمييز احدهما عن الآخر وقد تبلورت البنية الإجتماعية للسكان تبعا للتقسيم الوظيفي عن ثلاث فئات إجتماعية
-أولا : الزوايا
-ويسمون كذلك بالمرابطين و الطلبة وهم مجموعة من القبائل المهتمة بالعلم و الدين و اللغة العربية وإقامة الشعائر الدينية و الدعوة إلى الله عز وجل و القيام بشؤون القضاء و الفتيا وقد ظلوا محافظين على تعلم العلوم الشرعية وتعليمها وغقامة الشعائر الدينية رغم شظف العيش

وقساوة الحياة الصحراوية ومصاعب التنقل و الترحال وتنائي الديار كما قامو بدور فعال في إدارة الشؤون الإقتصادية والسياسية

(ثانيا : بنو حسان( العرب
وهم أهل الشوكة و القيادة العسكرية في البلاد و الممسكون بزمام السلطة في الاقاليم وفيهم أبهة عظيمة وهم يحتكرون لفظة العرب لأنفسهم ولا يسمحون بها لغيرهم ولهم ميل إلى شن الغارات من حين لآخر سواء فيما بينهم او على قبائل اخرى . وقد شكل الزوايا وبنوحسان قيادة ثنائية للمجتمع الموريتاني بهذا التقسيم الوظيفي حيث مارس الزوايا القيادة العلمية وغدارة الشؤون الغتصادية ومارس بنو حسان القيادة العسكرية واشترك الطرفان معا في السيطرة السياسية
ثالثا : الأتباع
وتاتي هذه الفئة في الدرجة الثالثة من السلم الإجتماعي وتسمى ( اللحمة ) وتتكون من قبائل لم تحتم بسيف ولا قلم فبسط عليها الطرفان المتقدمان نفودهما وسخروهما لاغراضهم من رعي ماشية وخدمة وغير ذلك
اما عن تاريخ دخول الإسلام إلى بلاد شنقيط فقد وصل الإسلام إلى بلاد إفريقيا و المغرب العربي بصفة عامة في القرن الهجري الأول عن طريق الفتوحات الإسلامية وعلى يد الفاتح عقبة بن نافع رضي الله عنه وقد اختلف في تاريخ فتح موريتانيا إلا ان المعول عليه و الأقرب إلى الحقيقة هو أنها فتحت على يد عقبة بن نافع رضي الله عنه بعد ولايته على شمال إفريقيا من قبل يزيد بن معاوية رضي الله عنه قال ابن خلدون : ....جاء بعد جمع ودخل المغرب الأقصى وأثخن في المصامد ودوخ بلادهم حتى حملهم على الإسلام ثم جاز إلى السوس لقتال من بها من صنهاجة أهل اللثام واثخن فيهم وقتل مسوفة وراء سوس وقفل راجعا
وقد كان كذلك لتجار المسلمين دور في نشر الإسلام بهذه الاقطار حيث كانت قفولهم التجارية تخترق الصحراء من وادي السودان متجهة نحو غرب إفريقيا
وقد كان للموريتانين بعد ذلك دور فعال في نشر الإسلام و الدفاع عنه حيث شاركوا في فتح الأندلس بقيادة موسى بن نصير رضي الله عنه الذي يعده المؤرخون فتحا جديدا لإفريقيا و الأندلس معا كما أنهم خضعوا لدولة الأدارسة ( 448ه – 541ه) من صحراء الملثمين يعتبر من ابرز المآثر لموريتانيا في تاريخها الإسلامي -1- كما كان لعلمائها دور بارز و كبير في نشر تعاليم الغسلام و خدمة الشريعة الأسلامية عموما و المذهب المالكي على وجه الخصوص كما سيأتي بيانه.
الحياة العلمية و الثقافية من خلال المحاضر
المحاضر جمع محضرة وهي مؤسسة تعليمية إسلامية نشأت في بلاد شنقيط لتكون أداة لنقل المعارف العلمية و إرساء أسس الدين الإسلامي وقد عرفها الخليل النحوي بأنها جامعات شعبية بدوية متنقلة تلقينية فردية التعليم طوعية الممارسة صبغتها البساطة وتشبه الكتتاتيب في شكلها الخارجي إلا ان الباحثينيؤكدون أنها حققت لطلابها مستوى علميا لا يقل عن مستوى الجامعات العريقة ولهاذا تسمى جامعة الصحراء
ولعل من ابرز خصائصها
المحضرة جامعة تقدم للطالب معارف موسوعية : على درجة عالية من الدقة والضبط في مختلف فنون المعرفة المعرفة الموروثة حيث درس
القرآن الكريم حفظه رسمه وتجويده و تفسيره وبقية علومه
الحديث متنه مصطلح رجاله
العقيدة وعلم الكلام والتصوف
الفقه فروعه أصوله وقواعده
السيرة و التاريخ و الانساب
اللغة و الأدب النحو و الصرف و العروض القوافي و البلاغة
المنطق الحساب و الهندسة
الجغرافيا و الفلك و الطب واسرار الحروف
المحضرة جامعة شعبية : تستقبل كل من يرد عليها من جميع المستويات الثقافية و الفئات العمرية و الجنسية و الإجتماعية فهي تستقبل المبتدئ كما تستقبل العالم فتجدد له معارفه وتوسعها و تعمقها ويرتادها الطفل و الشيخ و المرأة ( و إن بنظام ) و الفقير و الموسر فتبذل لكل طالب مايريد من ضروب المعرفة حسب مستواه الثقافي وهوايته وطاقة إستيعابه وهي لا ترد طالبا لعدم وجود مقاعد شاغرة ولا تغلق أبوابها لقلة عدد الطالبين المنتسبين إليها فلا حد أدنى ولا أعلى للعدد الذي يقوم به نظام المحضرة بل ينقص العدد ويزيد تبعا لصيت الشيخ وشهرته ومدى تفرغه -
الخليل النحوي : المرجع السابق
المحضرة جامعة بدوية متنقلة : ولعل هذا الأمر من أبرز سماتها المميزة لها عن غيرها من مؤسسات التعليم فنظام المحضرة نظام يكاد يكون دون نظير استنبط من واقع الحياة البدوية ومن الصعب على من لم ير المحاضر أن يتصورها ذلك أن البداوة تقترن في الذهن بالغباوة و الجهل وأن الثقافة جزء من الحضارة وقد انطبع في أذهان الناس ان العلم ربيب الحضارة و أن الإستقرار في المناطق الحضرية واستيطان المدن شرط في نمو المعارف و ازدهار الحياة الثقافية ولكن الشناقطة استطاعو أن يحققوا نهضة علمية نموذجية تحت الخيام وعلى ظهور العيس و في مجاهل الصحراء واخترعوا نظاما تعليميا مناسبا لظروف الصحراء القاسية فهي جامعات متنقلة تشتي في ارض و تصيف في أرض تتنسم عبر تجوالها عبير الحرية في رحاب الصحراء الفيحاء جامعة بين متعة العلم ومتعة السياحة فتارة يكون مقرها حين الإقامة تحت الشجرة او الخيام أو في الهواء الطلق وأثناء الترحال يكون مقرها ظهور الإبل قال العلامة المختار بن بونة مشيدا بهذه المزية :
ونحن ركب من الأشراف منتظم أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا
قد اتخدنا ظهور العيس مدرسة بها نبين دين الله تبيانا
المحضرة لها منهج تعليمي خاص : يتميز بما يلي :
أ- أنه منهج يسير وفق ترتيب دقيق مرتبط بالكتب لا بالسنين فكلما أتم الطالب مجموعة من الكتب انتقل إلى غيرها وذلك وفق ثلاث مراحل
المرحلة الاولى : تبدأ بتعليم الحروف الأبجدية ثم حفظ القرآن ومعرفة رسمه وضبطه و تجويده بقراءة الامام نافع بروايتي قالون وورش مع دراسة متون علم التجويد كالدرر و اللوامع لابن بري وشرحه المسمى بالنجوم الطوالع ومقدمة ابن الجزري -
المرحلة الثانية : وتسمى فرض العين يدرس فيها الطالب متونا في الضروري من علوم الدين مثل منظومة اعاشر و الاخضري و الأجرومية في النحو و المعلقات ليستقيم لسانه على الفصاحى تمهيدا لدراسة متون أعمق و أوسع
المرحلة الثالثة : وهي بمثابة المرحلة الجامعية في التعليم النظامي المعاصر تدرس فيها مهمات المتون المتداولة في المنطقة ففي باب العقائد تدرس مقدمة الرسالة وعقائد السنوسي وإضاة الدجنة لأحمد المقري التلمساني وفي الفقه رسالة ابن ابي زيد و مختصر خليل وتحفة الحكام لابن عاصم و في الاصول جمع الجولمع للسبكي ومراقي السعود لسيدي عبد الله العلوي الشنقيطي والنحو الألفية وغير ذلك
ب - يعتمد التعليم في المحضرة على الحفظ اعتمادا كليا فالشناقطة لا يعدون علما إلا ما حصل في الصدر ووعته الذاكرة متنا و معنى مدعمين هذه الفكرة بقول الامام الشافعي رحمه الله
علمي معي حيثما يممت ينفعني قلبي وعاء له لا بطن صندوق
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق
وقد أثمر هذا الأسلوب في بلاد شنقيط ونجح نجاحا باهرا وخرج فطاحل العلماء الذين أصبحوا مضرب المثل في سعة العلم وقوة الحفظ وحدة الذكاء ومما يؤثر في ذلك أن قبيلة ( تجكانت ) كان فيها 300 فتاة تحفظ الموطأ و ان الطفل في قبيلة (مدلش يحفظ المدونة – أضخم مرجع في الفقه المالكي – قبل سن البلوغ -
ج- المحضرة تعتمد في التعليم على الصيغة التلقينية : وقد قامت الحياة العلمية الإسلامية على تلقي العلم من أفواه الرجال واستمرت على ذلك حتى بعد إنتشار المخطوطات و الكتب و الشناقطة يؤكدون كثيرا على هذا الجانب ويدعون إلى تلقي العلم من أفواه الرجال ولا يثقون في الكتب وغن اقتنوها لاحتمال الخطأ من المصنف ومن الناسخ وهم يرددون أبيات ألي حيان في هذا المجال :
يظن الغمر أن الكتب تهدي أخا فهم لإدراك العلوم
ومايدري الجهول بأن فيها غوامض حيرت عقل الفهيم
إذا رمت العلوم بغير شيخ ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس الامور عليك حتى تصير أضل من توما الحكيم
وعند الشناقطة قولة مأثورة تقول من أخد التوحيد من الكتب خرج من الإسلام ومن أخد الفقه من الكتب غير الأحكام ومن أخد النحو من الكتب لحن في الكلام ومن أخد الطب من الكتب قتل الآنام -
د- المحضرة تعتمد في التعليم على منهج كيفي لا كمي : بحيث يدرس كل فن من العلوم على حدة ولا يجمع الطالب بين فنين ولا ينتقل من فن الى آخر حتى يتقن الاول وهذا الأسلوب قد أفاد الشناقطة كثيرا في تحصيل العلم و إتقانه وقد أشار ابن خلدون إلى هذا المنهج في مقدمته في باب وجه الصواب في تعليم العلوم وطريقة إفادته حيث يقول : ........ومن المذاهب الجميلة و الطرق الواجبة في التعليم أن لا يخلط على المتعلم علمان معا فإنه حينئذ قل أن يظفر بواحد منهما لما فيه من تقسيم البال و انصرافه عن كل واحد منهما الى تفهم الآخر فيستغلقان معا و يستصعبان ويعود منهما بالخيبة وإذ تفرغ الفكر لتعليم ما هو بسبيله مقتصرا عليه فربما كان ذلك اجدر بتحصيله ...........إه. وقد أثبت علم النفس التربوي الحديث اهمية هذا المنهج ومدى فائدة التصنيف و التنظيم والفصل بين مختلف الفنون العلمية في عملية التحصيل المعرفي -وفي هذا يقول الشناقطة
وإن ترد تحصيل فن تممه وعن سواه قبل الانتهاء مه
وفي تادف الفنون المنع جا إن توأمان استبقا أن يخرجا
ه – المحضرة لا تمنح شهادة ولا درجة علمية معينة : وربما منح بعض المشايخ لطلابهم المتفوقين إجازات في بعض الفنون-
وهكذا استطاعت المحاضر وبهذا الاسلوب و النظام أن تكون أفواجا من العلماء الحفاظ على مدى تاريخ طويل كانوا يحملون علمهم معهم في حلهم وترحالهم صدورهم خزائن لكل ما طالعوه أو درسوه وقد أصبحوا مضرب المثل في العالم الإسلامي وما حلوا بأرض إلا وخلفوا فيها ذكرا حسنا واستأثروا بإعجاب أهلها وما نالت شنقيط مكانتها العلمية إلا بسبب شهرة علمائها وما وصلو غليه في محتلف مجالات العلوم الدينية والعربية ومدى ما يمتازون به من سعة علم وقوة حفظ وذلك راجع إلى نظام التعليم المرتبط بالمحاضر وبذلك تعتبر شنقيط منارة للعلم .وحاضرة من حواضر الفكر حتى قال قائلها :
إن لم يكن شنقيط فيه زمزم فلهم في العلم أصل أقدم -